الأربعاء، 13 فبراير 2013

شكري بالعيد .... من المستفيد ؟


إغتيال شكري بالعيد : من المسؤول ؟ من المستفيد ؟ و ما الهدف منه ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يخفى على أحد أن تونس دخلت منعرجا خطيرا لا ينبئ بخير ، فضلت الإكتفاء بالدعوة لتجنب الفتنة و تبادل الإتهامات المجانية في اليومين الأخيرين تجنبا للمساهمة في إشعال فتيل فتنة داخلية قد تتطور إلى ما لا يحمد عقباه . تسارعت الأحداث و بدأت تنكشف للعيان ملابسات مؤامرة دنيئة المستهدف الوحيد فيها هو الشعب التونسي و حدته و ثورته ، التي أغتيلت بإغتيال شكري بالعيد .
بالنسبة لي ، لست من هواة "قلبان الفيستا" و حتى لا أتهم بذلك ، فأنا ملزم بالتذكير بموقفي من شكري بالعيد و من حزبه " الوطنيون الديمقراطيون" الذين كنت و لازلت أشك في نضاليتهم ، و هنا لا أتحدث عن قواعد "الوطد" ، ذاك الشباب الذي أعمته الأيديولوجيا و حماسته لها حتى ظل الطريق و بعثر أولوياته كـ"حزب ثوري" بل عن قياداتهم و على رأسهم ، المغفور له و هذا أقصى ما أستطيع الدعاء له به ، شكري بالعيد . لطالما لقبت شكري بالعيد بــ"شكري تقارير" بناء ا عن بعض ما يدور حوول حقيقة و صدق نضاليته في الخفى ، لأنها في العلن ليست محل تشكيك .
هذا موقفي الخاص من شكري بالعيد ، غفر له الله ، و قد وجب التذكير به ، حتى لا أتهم بـ"قلبان الفيستا " و التجارة بدماء التونسيين ؟، و موقفي هذا الذي لطالما كان مهور نقاش حاد وصل أحيانا حد التشنج بيني و بين الأصدقاء و خاصة اليساريين منهم ، ليس هو محور حديثي اليوم .
ما سأتناوله في هذا المقال هو بعض النقاط التي وجب أخذها بعين الإعتبار للتوصل لإجابة عن الأسئلة المطروحة في ما سبق .
إغتيال شكري بالعيد قد يكون لسببين لا ثالث لهما :

إما أن يكون شخص شكري بالعيد هو المستهدف ، بمعنى "طرفا ما" لم يستسغ تصريحات أو مواقف أو حتى وجود شكري بالعيد في الساحة السياسية أصلا ، و إما أن يكون شكري بالعيد كبش فداء ضحى به "الطرف المسؤول " عن الإغتيال لا لأن تصريحات و مواقف شكري بالعيد أقلقته و لكن لأن غايته كان القيام بعملية إغتيال لشخصية وطنية معروفة قصد إستثمار ما سينتج عنها لاحقا لأهداف خاصة .


و إنطلاقا من هذا الطرح ، تصبح كل الفرضيات مفتوحة حول هوية هذا الطرف ، لذا وجب التجرد الكامل من العواطف و الإنتماء ات حتى نستطيع أن نكشف هوية هذا الطرف .
فإذا تبنينا السيناريو الأول : " إستهداف شخص شكري بالعيد في حد ذاته " ، فالمستفيدون من إغتياله كثر ، و دون أن نسقط الشك عن أي كان ، في ما يلي قائمة بالمستفيدين ، و الترتيب غير مهم :

1) السلفيون :
عداء شكري بالعيد للإسلاميين عامة و السلفيين خاصة ، أمر لا يخفى على أحد ، فالمغفور له ، كان في كل تصريح إعلامي يهاجم السلفيين و يتهمهم بالإرهاب و تهديد الديمقراطية و الإستقرار في تونس ، و هو ما جلب له عداء ا معلنا من طرف السلفيين ، خاصة و أنه شيوعي و بالنسبة لأغلب السلفيين ، الشيوعي كافر ملحد ، وصل حد إهدار دمه من قبل أئمة بعض المساجد التي يسيطر عليها السلفيون

2) رابطات حماية الثورة :
سبق لهذه الجماعات أن تورطت في عدة أعمال عنف سياسي ، بدأ بإستهداف إجتماعات الأحزاب التجمعية ثم الأحزاب التي ساندت بن علي يوم 13 جانفي 2011 ، ثم ، و بعد سيطرة النهضة على هذه الرابطات ، حادت عن الهدف الرئيسي من وراء إنشائها لتصبح ذراعا عسكرية ، مسلحة بـ"ـالشرعية الثورية " ، تستعملها النهضة ضد كل الأحزاب التي تتعارض و توجهاتها الأيديولوجية ، لتمس الأحزاب اليسارية "الثورية " و على رأسها حزبا "العمال الشيوعي" و "الوطنيون الديمقراطيون" . مما جعل شكري بالعيد ، يندد بهذه الرابطات في كل تصريح إعلامي ، و هو ما زاد من سخط أعضاء هذه الرابطات على شخص شكري بالعيد.

3) حزب نداء تونس :
لم يجد هذا الحزب منذ أن أعلن الباجي قائد السبسي عن تشكيله أية صعوبة في التسويق له على أنه منقذ تونس ، كما تدل تسميته ، من الأزمة التي تعيشها تونس تحت حكم الترويكا و التي صورها الإعلام حتى أصبحت حقيقة ، إذ تجندت قناة نسمة قبل الإعلان عن تأسيسه بأشهر للتسويق لما سمي حينها " مبادرة السبسي " و التي جائت فقيرة هزيلة في بادئها ، كما لم يجد أية صعوبة في تصوير نفسه على أنه القوة السياسية التي ستخلق توازنا في الساحة السياسية و كل ذلك بفضل الإعلام الذي إتسطاع أن يسيطر عليه عبر إغداقه بالأموال التي تحصل عليها من "رجال الأعمال" الذين لم يدخلوا تحت جبة النهضة و أصبحوا في موقف ضعف أمام تنامي نفوذ منافسيهم في السوق ممن دخلوا تحت جبة النهضة ، كما لم يجد أيضا هذا الحزب منذ تأسيسه أيضا أية صعوبات في تعبأة قواعده و ذلك عبر إستقطاب التجمعيين الذين إعتزلوا السياسة بعد الثورة ، مضطرين ، في ظل غياب حزب قوي قادر على حمايتهم إذا عادوا للعمل السياسي ، إستفاد الحزب من التجمعيين من ناحية تعزيز قواعده ، و لكنهم كانو بمثابة الورم الذي لم يستطع التخلص منه ، فلازمت صفة " الحزب التجمعي الجديد " هذا الحزب و شكل عائقا أمامه في فرض نفسه على الساحة السياسية إزاء رفض بعض الأحزاب حتى التحاور معه . مؤخرا إستطاع حزب نداء تونس أن يتفق مع حزبي حكومة الغنوشي ، "الجمهوري" و "المسار" ، على تشكيل جبهة موحدة و الدخول في الإنتخابات القادمة بقوائم مشتركة ، و هو ما جعل هذا الحزب ، الطرف الرئيسي في "الترويكا المعارضة"، يتقدم على النهضة في آخر إستطلاعات الرأي ، و لكن طموح النداء في التحالف مع الجبهة الشعبية ، الجبهة الموحدة لليسار في تونس و التي تقدمت كثيرا في آخر إستطلاعات الرأي ، و أصبحت طرفا منافسا للحزب بإلإضافة للترويكا الحاكمة ، طموح ، جوبه برفض قاطع لأي حوار معه من طرف الجبهة الشعبية ، على الأقل هذا ما أعلن في العلن ، الجبهة التي طالما لقبت الأحزاب المكونة لها بالراديكالية ، أعلنت مرارا و تكرارا رفضها القاطع للتحالف مع نداء تونس . هذا الرفض ، كان ورائه شكري بالعيد ، على عكس ما روج له بعد وفاة الأخير ، من أنه كان يقود مفواضات سرية مع نداء تونس قصد الإنضمام "للترويكا المعارضة" . و إنطلاقا منه ، يصبح حزب الباجي مستفيدا رئيسا من إغتيال شكري بالعيد ، و هذا ما تجلى للعيان حين تفاجأ المتابعون للوضع بإستقبال الجبهة الشعبية لممثلين عن الإتحاد من أجل تونس " في مقر حزب العمال ...

4) الجبهة الشعبية :
منذ تأسيس الجبهة الشعبية ، المتكونة من 12 حزبا ، لم يبرز إعلاميا سوى وجهان سياسيان قديمان ، شكري بالعيد و حمة الهمامي ، حقيقة لم يحدث أن تضاربت مواقفهما منذ إعلان تأسيس الجبهة ، و لكن المتطلع على تاريخ الرجلين و حزبيهما ، حركة الوطنيون الديمقراطيون و حزب العمال الشيوعي ، يدرك جيدا الخلافات التي بين الرجلين و حزبيهما ، التي من الصعب على أي كان أن يسلم بأنهما تجاوزاها لتشكيل حزب سياسي واحد .
أزمة الزعامة ، واردة بينهما ، رغم أن الأدلة على وجودها فعليا ، لا يدركها سوى أبناء الجبهة . و لكن إغتيال شكري بالعيد ساهم بشكل كبير في بروز نجم الجبهة حتى أنها تجرأت على الدعوة لإضراب عام ، نجح نسبيا في بعض الولايات ، على لسان زعيمها الأوحد الجديد حمة الهمامي ، و رغم أني شخصيا أستبعد هذه الفرضية ، إلا أني لا أستطيع أن أتجاوز ما سيستفيده حمة الهمامي من غياب شكري بالعيد و تلك التركة المهمة ، قيادة اليسار التونسي موحدا في حزب واحد ....


كل ما سبق هي مجرد أفكار تتبادر لذهني ، و لا دليل ملموس لي عليها ، فهي فقط تخمينات شخصية و ليست إتهاما مباشرا لأحد ....
في ما سبق ، تبنيت فرضية إغتيال شكري بالعيد لشخصه ، و في ما يلي نقاط مهمة ، في حال تبنينا فرضية إختيار شكري بالعيد ككبش فداء للقيام بعملية إغتيال قصد إستثمار تبعات هذه العملية ...

1 ) حركة النهضة :
صحيح أن أكبر التضررين من إغتيال شكري بالعيد هي حركة النهضة التي واجهت إتهامات عدة بالتقصير و حتى المسؤولية عن إغتيال بالعيد ، و لكن هذا لا ينفي إمكانية ضلوعها وراء العملية ، فمجرد الرجوع للخلافات التي حصلت في صلب مجلس شورى الحركة حول التحوير الوزاري و إبتزاز الأطراف المشاركة في الحكم للنهضة ، منذ أيام و التي نتج عنها إستقالة لطفي زيتون و إنسحاب حمادي الجبالي من الإجتماع في حالة غضب و تلويح أبي يعرب المرزوقي بالإستقالة ، يمكن لأي كان أن يستنتج أن الحركة لم تعد متماسكة محكمة التنظيم كما كانت سابقا ، إذ أصبح ظاهرا للعيان وجود تيارات و لوبيات في صلب الحركة ، قد تقسم للحداثية ، في الإطار الإسلامي ، و محافظة ، و قد تقسم أيضا لتيار حاكم ، و تيار يريد أن يلعب دور حكومة الظل . و إمكانية تطور هذا الصراع ليخرج من صلب الحركة و يصل إلى حد محاولة إحراج ، و بتحفظ أقول ، إسقاط الحكومة من طرف شق معارض صلب الحركة وارد جدا و لو أنه سيناريو هليودي بعض الشيء. و بالتالي يصبح تدبير عملية إغتيال لشخصية وطنية ، و إختيار شكري بالعيد ليكون كبش الفداء فيها ، يعتبر ضرب عصفورين بحجر واحد ، فشكري بالعيد بالنسبة للمحافظين في صلب الحركة ، هو ألد الخصوم السياسيين ، رفقة حمة الهمامي ، على الساحة ، كما أن إغتياله سيحرج الحكومة و يدفعها للإستقالة ، و لا خوف على سلطة النهضة على البلاد، لأنها الوحيدة المخول لها ، حسب الشرعية الإنتخابية ، قيادة الدولة .

2) كل أحزاب المعارضة و جناحا الترويكا :
كل الأحزاب مستفيدة من إغتيال بالعيد ، بدون إستثناء ، فالكل تاجر بدمه ، الكل إستغل المنابر الإعلامية ليحاول ربط إغتيال بالعيد بعدم السير حسب خارطة الطريق التي تقدم بها كمبادرة من حزبه ، جناحا الترويكا أيضا مستفيدون من إغتيال شكري بالعيد ، فالمؤتمر من أجل الجمهورية تعهد بالإنسحاب من الترويكا في حل عدم تحقق شروطه في قرار وصف البعض بالمتسرع ، و في هذه الحال ، يصعب تحديد الطرف المسؤول ...


3) المخابرات الأجنبية : أمريكا ، فرنسا ، الجزائر
كلها أطراف تتابع تونس و ثورتها بإهتمام كبير ، أمريكا و فرنسا تتصارعان حول تونس في الخفى منذ قيام الثورة ، فالأولى تعتبر الداعم الأول "للإسلام الليبرالي" ، المعتدل في منطقة "الربيع العربي" ، و هو ما يرجحه البعض لرغبتها في الدخول للمنطقة التي إشد عليها التنافس من منطلق الدين ، في حين تعارض الثانية ، فرنسا ، هذا التوجه فهي الداعم الأكبر للعلمانية في المنطقة التي تعتبر باحتها الخلفية و التي بدأت تفقد نفوذها فيها منذ قيام الثورات ، و بالتالي فأمريكا مستفيدة أيضا من حادثة إغتيال ترهب بها معارضي الحكومة و تبعث عبرها رسالة تهديد واضحة لكل من ينوي التمادي في المعارضة الشرسة ، و الحال سيان بالنسبة لفرنسا التي قد تستفيد من حادثة إغتيال في تونس ، لإحراج الحكومة و الضغط عليها من طرف الرأي العام المحلي و الدولي ، و هذا ما تجلى للعيان من خلال تناول الإعلام الفرنسي لحادثة الإغتيال و التصريحات الرسمية و الغير رسمية للمسؤولين الفرنسيين الذين وصفوا ما يحدث في تونس بالفاشية الإسلامية الناشئة .. و في الحديث عن المخابرات الأجنبية ، لا يمكن المرور دون الحديث عن الجزائر ، العملاق المراقب المتخوف من سيناريو الثورة و خاصة التي قد تؤدي لتسليم الجزائر في طبق من ذهب للإسلاميين ، فجنرالات الجزائر ، الحاكم الفعلي للبلد ، عارض الثورة التونسية و الثورة الليبية و ساند النظامين عبر الدعم اللوجيستي و الإستخباراتي حتى النهاية ، و لو أنه إكتفى رسميا بالمراقبة في ما يخص ثورة تونس ، إذ ليس من مصلحة الجزائر البلد العلماني الوحيد في شمال إفريقيا ، أن يفقد هذه الصفة ، فالجزائريون متخوفون من سيناريو التسعينات الذي مازال يرهبهم ، و محاولة إفشال الثورة التونسية و الليبية يدخل في إطار حماية الأمن القومي للجزائر .


و مما سبق ، فكل الإمكانيات ورادة ، الكل مستفيد من إغتيال بالعيد ، و لو بطريقة غير مباشرة ، و هو ما يقودنا إلى طرح الأسئلة بطريقة أخرى ...
كيف يمكن إفشال مخطط المسؤول عن حادثة الإغتيال ؟ و كيف يمكن تجنب مثل هذه الحوادث في المستقبل ؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.