الأحد، 28 أغسطس 2011

الجزء الثاني من رواية : المغبونة


الجزء الثاني من رواية : المغبونة
تأليف : دجو
ــــــــــــــــــــــــــــــ
.... قعدت وحدها ، السبحة في يديها ، ظهرها على الحيط ، ظهرها مقوس من آثار الزمان ، قعدت تسبح و سرحت بخيالها ، حتى لين طاحت السبحة من يديها ، سرحت في تصويرة المرحوم ، تفكرت وقت كان يمشي يخرج يسقي الزيتون ، يهز معاه " العايش " فوق كرايمو ، وقتها كان شاريلو ، مضلة و دنڨري صغير و قفة صغيرة يحط فيها الڨاميلة متاعو ، كان يطلع بيه للزيتون و بعد يمشيو زوز للڨرعة و يقعد يحفظ فيه في القرآن ، يروحولها كان عقاب العشية ، يلقاو الفطور حاضر فيه كل خير ! هوما يبداو باش ياكلو و هو يسألها :
بعثت فطور حمد خويا ؟
وقتها كان خوه حمد عازب يعيش معاه في الدار لكبيرة ، عاطينو بيت وحدوا ! تفكرت وقت كان المرحوم يكمل عشاه ، يمشي يصلي العشاء و يبدى يغمز فيها و ينهز فيها قدام " العايش " و يقلها :
هاني ماشي نرڨد ها بنت عمي
و هي تجبد عليه بالمرتاح و تقلوا :
برة مازال ما عنديش نوم ، نكمل المسلسل و نمشي نغسل الماعون و بعد تو نرڨد !!

و هي سارحة في خيالها ، فوق الكليم متاع العادة ، في الحوش متاع العادة ، حذا قلة الماء متاع العادة !
بدات تجي على وجها بسمة و عينيها مازلت بالدموع . تفكرت زادة المرحوم كيفاش كان يعاملها ، من دون رجال الهنشير الكل ، كان هو الراجل الوحيد لي يقدر مرتو ، عمروا ما جرحها بكلمة و عمروا ما هز يدوا عليها، تفكرت كيفاش نساء الدوار الكل كانو يغاروا منها و يحسدوا فيها ، تفكرت كيفاش كانوا يقطعوا و يريشو فيها في غيابها و كيف تحظر كانوا يجيو بالوحدة بالوحدة يصبوا ببعضهم ، تفكرت كيفاش كانت تنحي من عندها و تودهم و قداش هوما كانو يبغضوها !!!
تفكرت برشة حاجات ، تفكرت كيفاش كان المرحوم يهزها كولموسم للسوق و يمدلها لفة أوراق و يقلها :

ها بنت سعيد ، بري أقضي شانك مالسوق ، بري إشري قطعتين مالجديد ، ما نحبش يڨولو " خميّس ولد بن عياد " يلبس في مرتو مالفريب ، نحبك تاخذي آش تحبي و كان نقصك فلوس ، نا هاني ڨاعد في قهوة الإستقلال نستنى فيك أبعثيلي طفل تو نجي نزيدك !!
تفكرت برشة حاجات باهية ، تفكرت أيام العيشة المرتاحة و أيام كان الذل و الجوع و الميزيريا تسمع بيهم سمع من بعيد لبعيد ، تفكرت و هي سارحة هكاك دموعها زادت هبطت آما بسكات و هي تدوح في راسها ...

قامت من بلاصتها هي متركزة على عكازها ، قامت و مشات جابت البابور و شعلتو و حطت تطيب في براد تاي ، عمرت البراد و مشات تعكز ، خطوة خطوة للباب ، طلت تلقاش العايش مروح و لا تلقاش واحد مالحومة تسألو عليه ، طلت و حد ما وفى نظرها الشارع فارغ و البطحة فارغة !!
رجعت تمشي بالخطوة الرصينة ، و رجعت لتركينتها متاع العادة ، فوق الجلد و الكليم متاع العادة حذا قلة الماء متاع العادة و قدامها البابور و البراد متاع التاي متاع العادة ....

رجعت قعدت ، ستوات البراد و سرحت في النار متاع البابور ، و عاود هزها خيالها ....

هزها خيالها المرة هاذي ، لأيام الي كانت فيها صغيرة ، وقتها كانوا زواولة في دارهم ، على قدهم ، كانت أمها تشري ب 20 فرنك قهوة و تنفخها في الماء و ياكلو منها الأخوة الكل باش يمشيو يقراو ، و هي سارحة سألت روحها علاش وقتها الميزيريا ما كانتش تتحس ؟ علاش وقتها كانت عايشة و راسها ما فيهش هموم ، علاش وقتها كانت ما تخممش في الفقرو الجوع ، تفكرتو قت كان عمرها 5 سنين ، وقتها كان بوها الله يرحموا يهزها يعمل بيها دورة على البهيم و تعمللها كسكروت بالتاي و هي ، شعرها مطعطش و لبستها مسخة و كانت فرحانة ! وقتها دورة على البهيم مع بوها بالدنية و ما فيها .

و هي سارحة في النار ، مدت يدها بالشوية بالشوية للبراد و هي موش مركزة و دموعها بدات تشىح على خدها ، و هي هكاك حست بسخانة !! حرقت يدها !! جبدتها بنطرة ياخي تكب براد التاي و طفى البابور !!
سكرت البابور و قامت تلوج على حاجة تمسح بيها ، دخلت للخربة إلداخل وين الخزانة ، عرضتها تصويرة قديمة معلقة على الحيط ، تصويرة حتى لو دار الزمان ما عادش باش تتعاود ،
تصويرة عايلتها ، هي و أمها و بوها و أخوتها وقت كان عمرها 7 سنين ، وقتها الفرانسيس إلي كانت أمها تخدم عنهم صوروهم ، و التصويرة قعدت عندهم ! تصويرة بالألوان في وقت ماكانش فمة تصاور أصلا في الدوار ! سرحت فيها و تفكرت هاكا النهار متاع التصويرة وقتها ، بوها الله يرحمو قبلوه في الجيش ، يعني ماعادش باش يخدم عند العباد وقتها تونس مازالت كيف إستقلت و الجيش مازالوا يشكلو فيه و بورڨيبة خرج في الراديو قبل بجمعة و قال إلي الجيش التونسي باش يقبل المطالب الكل خاطر بنزرت مازال فيها جنود فرنسيس و لازم تتحرر !! وقتها بوها فرحان شرالهم ڨازوزة و بسكويت و عملو حفلة صغيرة في الدار و حظروا معاهم العايلة متاع الفرنسيس إلي كانت تخدم عنهم أمها . تفكرت كيفاش وقتها أول مرة تشوف بوها يشطح و كيفاش أول مرة تاكل صحن كامل بسكويت و كيفاش نهارتها خرجت قدام الدار هي و بوها و هزها للحانوت و شرالها زوز كعبات حلوى و قلها ما تقولش لأخوتك ...
تفكرت برشه حاجات ، و هي سارحة كيف العادة ... سمعت صوت تدقديق على الباب ، تدقديق موش عادي ، بالقوي و متاع واحد يزرب ، مشات دوڨة دوڨة للباب و التدقديق مازال و ماشي و يزيد ، تسمع في صياح ، يا خالتي " رابحة " حل !! حل !!
قلبها سخف ، و يديها ولاو يرعشوا ، حست حاجة غريبة عمرها ما حستها ! حست بحاجة ما فهمتهاش آما حست إلي هي حاجة موش باهية ، زربت خطوتها شوية بالي تقدر عليه و هي تعكز بالعكاز ، وصلت للباب و الصياح مازال ، حلت الباب .... و قلبها صدق !!!!

يتبع إن شاء الله 


الجزء الأول من رواية : المغبونة


الجزء الأول من رواية : المغبونة
تأليف :  دجو
______________________________
... جرات وراه لفم الباب ، الفولارة متاعها على أكتافها و شعرها هايج ، وجها أحمر و عينيها الكلها دموع ، جرات وراه و هي تتطايح ، الكبر عامل فيها و هو ماشي مخيلها وراه ، يمشي بخطوات رصينة مقدم صدروا و هاز راسو ، كيف تشوفو تحسوا عارف روحو فين ماشي ، عارف ثنيتو ، عارف طريقو ، عارف آش إختار .

طاحت و هي تجري و صاحت تبكي :
ـ ياوليدي !! علاش خارج !! الدنيا شاعلة لبرة !! الكرطوش ما يفرقش بين أنثى و لا ذكر !! بين كبير و صغير !! ماني ميمتك !! علاش تشويلي كبدتي هكة !! راك مازلت صغير !! الكلاب ربي يهدهم، شكون باش ينجمهم ، الكرطوش في يديهم يقتلوك و ما يرحموش !! علاش تكويني فيك ، راك إنت الي خرجت بيه مالدنية !!
سمعها ، عينيه رغرغت بالدموع ، وقف ، تلفتلها شاف حالتها ، قلبو سخف ، رجعلها ، عينيه بكلها دموع ، آما فمة حاجة غريبة فيهم ، دموع متاع إنسان ضعيف صحيح لكن فمة حاجة من داخل كانت تقول إلي فمة قوة جبارة فيهم !! كب عليها و هو يبكي باسها من راسها و و كب على يديها يبوس فيهم و يبكي ، هز راسو ، عينيه في عينها ، تبسم و عينه كلها دموع و قالها :

ـ يامي !! كيف إنت تشدني و تقلي ما تخرجش ، و كيف زهرة أختك تشد محمد علي ولدها و كيف مبروكة جارتك تشد لسعد و حمة و خميس ولادها !! هالبلاد !! شكون باش ياقفلها !! و هالكلاب شكون باش ياقفلهم !! هالفقر و الميزيريا الي عايشين فيها كيفاش باش نخرجوا منهم !! الدار الي يحبوا يفكوهالنا !! شكون باش يوقفهم ؟؟ ماو لازم نخرجولهم !! يامي راك جبت راجل وربيت راجل و كبرت راجل !! كيفاش تحبني اليوم نشد الدار و آنا نشوف فيهم يقتلوا فينا على بعضنا عامل ولا موش عامل !! يامي ربيتني و قتلي الظلم كفر !! يامي راك تعرف ربي !! رآك ربيتني ما نظلمش غيري و ما نخليش شكون يتظلم قدامي !! يامي ؟

هزت راسها و بدات تهدى شوية ، هو كيف شافها هكاك زاد تبسم ، و قلها :

ــ تتفكر وقت جاك عم حمد و آنا صغير يشكي بيا على خاطر شدني متشعبط على الحيط و نسرق في البوصاع من الشجرة متاعوا !! تتفكر آش عمتلي يامي وقتها ؟؟؟ عطيتني زوز كفوف قداموا يامي !! و كملت قتلي كلمة عمري ما ننساها !! قتلي... متاع الناس للناس و كان ما قدرتش باش تعمل كيفوا أرضي بالي كتبلك ربي ... وقتها يامي ما عندكش فلوس !! وقتها كنت إنت تخدم في الديار باش تكبرني !! نتفكر وقتها مشيت للخضار متاع الحومة و كرديت زوز كيلو بوصاع و قسمتو كيلو كيلو ! كيلو قتلي هذا ليك برد فيه قلبك وحدك ! و كيلو عبيتهولي في ساشي و بعثتني لدار عم حمد و قتلي مدهولوا و أطلب السماح !!
تتفكر يامي ؟ كان نسيت آنا مازلت نتفكر !!

هزت عينيها ، غزرتلو غزرة غيبة و زادت تطرشقت بالبكاء !! هي تعنق فيه و تبوس !

كمل كلامو و هو يهز فيها مالقاع :

يامي !! كان تتفكر بعدها بنهارين !! آنا قاعد معاك في الدار ، راسي على حجرك و إنت تلعبلي على شعري تحكيلي على بابا الله يرحموا كيفاش كان راجل و الناس الكل تقدروا و تشهد بيه ، وقداش كان عامل مليح في حياتو و كيفاش كان على نياتو ، حكيتلي وقتها و قتلي الزيتون و الفيرما و الغنم متاع عمك حمد !! هذاكا رزق بوك الله يرحموا ، بعد ما مات هو لم الملمة و إلي فمة و عطانا هالخربة هاذي و قلنا إحمدوا ربي !!!
حكيتلي وقتها و قتلي مشيت للمحكمة و رفعت قضية ، خسرتها ، و كيف سألت علاش قالولك :
يا مدام سي حمد نسيبك ، ما ينجموا حد !!! راهو عندو الأكتاف !! راك ما تنجموش !! راهو العمدة هنا !!
عم حمد الي جاي يعارك فينا و يسب فينا على كعبتين بوصاع نحيتهم آنا من شجرتو باش نجيبلك كعبة و ناكل كعبة !! الشجرة إلي جاي يعارك عليها ، زارعها على رزقنا يامي !!
وقتها قمت و قتلك !! يجي نهار يامي !! و رزقنا يرجعلنا !! يجي نهار و نرجع رزق بابا !! يجي نهار و نخرج الظالم منها ، يجي نهار نكبر و نولي قد عمي و نولي قوي و نجم نغلبو !!
وقتها يامي ما فهمتش حكاية القانون و المعارف و المحاكم ، في بالي ما نجمتش ترجع حقك خاطر هو راجل و قوي و إنت مرا و ضعيفة ، في بالي على خاطر هو يغلبك و ينجم يضربك !!
هكة مشى في بالي !!
آما اليوم يامي !! كبرت ، و فهمت ، يامي راني كل ما نتذكر قداش تشحطط عليا من خدمة لخدمة في الديار و في الذل و قداش من مرة روحت تبكي و آنا مش فاهم علاش ، بعد نسمعك تحكي مع أختك تقلها راو مول الدار حب يتعدى عليا ، إنت وقتها كنت نوارة في عز شبابك ، راجلك يرحمو و ينعمو خلالك رزق آما الظالم هز الرزق و خلاك تكبر في صغير وحدك ، ساكنة في خربة ، في العيد يامي ! كنت نحسها و ما نقولش باش ما نبكيكش !
ولاد عمي في العيد الصغير يجيو يتفوخروا بآش شرالهم عمي ، لبسة و لعب و فلوس متاع مهبى ، وآنا لابس هاكا الكبوط المقطع و السروال المرقع و الصندال في عز الشتاء ! وقتها كنت نموت بالحمصة !!
على خاطر هوما يتفوخروا قدامي برزقي و رزقك و رزق بابا يرحموا !! وقتها يامي ، كنت نمشي للسطح و نقعد نبكي وحدي ، ما نحبش نبكي قدامك ، خاطر ما كنتش نجم نشوف دموعك !
في العيد الكبير يامي ؟ كنت كيف نشوف أولاد عمي يدورو بزوز علالش ، كبش للعرك و كبش للذبيحة ، يدوروا و يتفوخروا بيهم قدامي ، أولاد الحومة الكل يامي ، كانوا بعلالشهم و كباشهم كان آنا يامي !!
وقتها كنت نهرب نمشي لحضنك ، تقعد تلعبلي على شعري ! و تحكيلي على بابا يامي ، تحكي و إنت تبكي و آنا نبوس و نسكت فيك يامي ! نهار العيد كنت نشم في اللحم المشوي من دار عمي و ديار الجيران ، و كنت نراك كيفاش تلوم في وجهك قدامي و آنا كنت نقلك : ما نعرفش كيفاش ينجموا ياكلو اللحم يامي ! إخخ نعافو آنا !! كنت يامي نتشهى في لحمة آما كنت نحشم باش نتكلم باش ما نشوفش دموعك يامي ! نتفكر وقتها ! كنت تمشي تكردي فخذ دجاج و تعطيبهولي كاملو تقلي : آيا آش كون كيفك يا حلوف هوكا فخذ كامل ليك إنت !! و آنا نبدى فرحان ، صحيح حاسس على خاطر أيام اللعب مع العلوش ما كانش عندي علوش ، نسرح بيه و نعرك بيه مع أولاد الحومة ، آما وقت تحطلي إنت الصحن ! كنت نطير بالفرحة ، المشكل إنو فخذ واحد !! إنت تقلي ما عينيش باش ناكل لكن آنا كنت نفهم إلي إنت ما عندكش فلوس باش تاخو واحد آخر ، ناديلك باش تاكل معايا ، تقلي لا ما نحبش هذاكا ليك إنت ، نشد فيك صحيح و نحلف ، تاخو شوية و تقلي هاو على والله !! تتفكر يامي؟؟ وقتها صحيح كنت صغير و ما في مخي شئ آما وقتها كنت كل ما نجي باش نرقد ، نقرى شوية قرآن نقول نكبر و نولي راجل و نولي قوي ، نغلب عمي و نرجع رزقنا !! صغير وقتها يامي !! آما هاكا وعد قطعتو على روحي يامي !!
اليوم كبرت !!! و عرفت إلي المشكلة موش مع عمي !! المشكلة مع الكلاب الي متحنش بيهم عمي !!
المشكلة موش في عمي و لا في ولادو ، المشكلة في الكلاب إلي يخدم عندهم عمي ، عمي مالو إلا بعبوص كبار في شكارة كبيرة !! اليوم يامي ، هالشكارة باش تتفلق ! الرجال و النساء المغبونين كيفي و كيفك ، خرجوا اليوم للشارع ، خرجوا باش يقصوا يد السارق باش يرجعوا أرزاقهم و أرزاق المغبونين الي كيفهم ، اليوم خرجوا و قدام عينهم كان قصان يدين السارق و الظالم !!

كمل آخر كلمة هو يهز في أمو مالقاع ، وقفت على ساقيها و عينيها كلها دموع ، باستو من راسو و قتلو برة ! برة ربي ينصرك على مين يعاديك !! ما نرضى عليك كان ما تقصلهم يديهم !
باسها من راسها ، تلفت و نحى مريولو ، لف بيه على وجهوا هز حجرتين و مشى بخطوات رصينة حتى وصل حذى صاحبو أيمن إلي كان يستنى فيه و كملو ثنيتهم ماشين في ثنية مركز الحرس ...
هو مشى و هي وقفت في فم الباب ، قعدت تبع فيه بعينيها حتى لين غاب و هو و صاحبو ، قلبها عصر عليها آما تقوات باش ما تناديلوش ، دخلت ، جبدت السبحة و رجعت لتركينها متاع العادة ، تحت الشباك متاع الحوش ، على الكليم و الجلد متاع العادة و قدام القلة متاع الماء متاع العادة ....


يتبع إن شاء الله


الأربعاء، 24 أغسطس 2011

لماذا إنحدر مستوى الإعلام الموازي في الفترة الأخيرة ؟


لماذا إنحدر مستوى الإعلام الموازي في الفترة الأخيرة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعيب البعض على صفحات الفايسبوك الملتزمة و المدونات السياسية إنحدار مستواها و تحزبها و تغليبها لولائها الأيديولوجي المطلقعلى حساب مصلحة الوطن العليا ، هذه الصفحات و المدونات التي لطالما كانت شوكة في حلق النظام النوفمبري و التي لطالما جوبهت بالحجب و واجه أصحابها و مشرفوها كافة أنواع التنكيل الفكري و الجسدي ، هذه الصفحات و المدونات التي كانت الذراع الإعلامي للمناهضي ذاك النظام حتى قبل ثورة 17 ديسمبر .
لست بصدد تبرير هذا الإنحدار و لست في محاولة لخلق الأعذار له ، و لكني فقط سأحاول في ما يلي وضع النقاط على الحروف و تأطير الإشكال حتى لا نخطأ الحكم :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنقسم الصفحات الفايسبوكية الملتزمة و المدونات السياسية إلي نوعان حسب رأيي :
الأولى ناشطة قبل الثورة و الثانية بدأت نشاطها أو حولت خطها التحريري بعد الثورة !
لن أتناول بالذكر النوع الثاني ، لا تحقيرا لها بل في إنتظار إكتمال نضجها إلا من رحم ربي !
سأخص بالتحليل ، الصفحات و المدونات المتلزمة الناشطة قبل الثورة دون ذكر أسمائها !

لتناول الموضوع لا بد من توضيح عدة نقاط هامة ، حتى يسهل فهم موضوع هذا المقال :

أولا ماهو التدوين :
التدوين في السياسة و في معناه الأصلي : هو عبارة عن نشاط فكري حر لا يخضع لأي شكل من أشكال الرقابة حتى الرقابة الذاتية و هو عبارة عن تدوين للأحداث قصد توثيقها ، أو للأفكار الحينية قصد حفظها ، أو للتحليلات الخاصة قصد نشرها ، أو للتنظير لرأي ما عبر البحث و المجابهة بالحجة و البرهان ، و التدوين عادة لا يشابه العمل الصحفي لأن العمل الصحفي يكون مؤطرا بالخط التحريري للمؤسسة الناشرة ، أما التدوين فهو عمل فردي لا يخضع إلا للخط التحريري الذ يضبطه المدون و الذي ترجع له الحرية المطلقة في تجاوزه أو تغييره . كما أن الهدف من العمل الصحفي المحترف هو المال ، أي تجارة المعلومة أما التدوين فهو في مفهومه الأصلي نشاط فكري مجاني ، إذن فالتدوين هو بإختصار : ممارسة حرية فكر و تعبير مطلقتين في مجال إفتراضي دون أي شكل من أشكال الرقابة و دون أي سعي لربح مادي .

ثانيا ما الفرق بين المدونة و صفحة الفايسبوك :
يتفرع هذا السؤال إلى ثلاثة أسئلة :
ما الفرق بين المدون و الفايسبوكر ؟
ما الفرق بين التدوينة و المقال المنشور على الفايسبوك ؟
ما الفرق بين متتبعي المدونة و متتبعي صفحة الفايسبوك ؟

في ما يلي سأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاث مجتمعة :

الفرق بين المدون و الفايسبوكر آخذ في التلاشي لأن الصفحات الفايسبوكية بدأت منذ مدة في إرتداء عبائة المدونة ،
إذ حين كان الفايسبوك مجرد شبكة تواصل إجتماعي قل ما يعنى بالسياسة ، كانت الصفحات تنشأ كصفحات حينية ينشؤها عادة مستعمل عادي للفايسبوك كمواكبة منه لحدث ما ، حينها كانت جل أسماء الفايسبوك كالآتي :
كلنا مع فلان ضد فلان، ضد نزول الفريق الرياضي X إلى الدرجة الثانية، مساندوا .... ،الفاعلون لكذا ...، معا لـــعمل كذا ...
و الصفة التي تختص بها هذه الصفحات أن عدد متتبعيها يتضاعف بسرعة هائلة في دقائق لمدة معينة ثم يقل بل ينعدم عدد منخرطيها الجدد بعد أيام ، فيجد منشؤ تلك الصفحة نفسه مشرفا على صفحة تضم الآلاف فقط لأن عنوانها إستمالهم لا جودة و لا مضمون نشرياتها ! فيستغلها فيما بعد ، بعد أن تمر عاصفة ذاك الحدث ، في غير محلها ، فإما أنها تصبح منبرا للتشهير بفنان أو لدعم فريق رياضي أو صفحة للمرح و نشر النكت إلخ ... بذلك يصبح لدى الفايسبوكر متتبعون لنشرياته ، مهما كان مضمونها بالآلاف دون أن يكون له مستوى ثقافي يذكر . آما الآن فقط لبست الصفحات الفايسبوكية عبائة المدونات و أصبحت تنشؤ ذات صبغة دائمة فنجد أن أسمائها أصبحت من النوع التالي :
المنبر، إذاعة قرطاج، الحقائق الخفية، تونس، كشف المستور
أي أنها أصبحت بمثابة مجلة إلكترونية تنشر فيها تحقيقات شبه صحفية و تحليلات سياسية منقولة عن محللين مشهود لهم أو لأصحاب الصفحة و يبقى معيار إختيار المقالات المنقولة أو المحررة ( إن صح تسميتها مقالات ) حكرا على ما يستميل المشرف ، الذي يكون عادة مستواه الثقافي أرفع و لو بقليل من مستوى صاحب الصفحات الحينية ، و تبقى مسألة تزايد عدد أعضاء الصفحة مرتبطا بجودة نشرياتها
و هذه الجودة مرتبطة بكفية الطرح الذي يكون عادة جادا و ملتزما بالخط التحريري كما يكون جادا و متعمقا في البحث حيث أنه يكون عادة نتاجا لبحث معمق مدعم بدلائل ( تكون عادة في شكل روابط)
و هذا الأمر سيان بالنسبة للتدوينة .
أما أهم نقطة فهي الفرق بين متتبعي المدونة و صفحة الفايسبوك ، وهذا أمر نجيب عنه إذا طرحنا السؤال الأول : كيف أصبح العضو متابعا للمدونة أو الفايسبوك !
فبالنسبة للمدونة يكون عادة متتبعوها ما يسمى بـ" جماهير واب " و هم نوع من مستخدمي الأنترنات الذين لا يكونون سجيني موقع واحد و يبحثون عن المعلومة و يسعون إليها و بذلك فهؤلاء المستخدمين لا يلجون صدفة للمدونة بل بإرادتهم التامة و ذلك عبر إستخدام محركات البحث مثل " غوغل " أو عبر كتابة عنوان المدونة يدويا ! أي أن هذا المستخدم يكون عادة متتبعا وفيا لتلك المدونة دون سواها أو يكون ولوجه إليها باحثا عن معلومة معينة فيكون مستعدا لقراءة تدوينة طويلة أو مقال مفصل حول موضوع معين ، و يمتاز هذا النوع من المستخدمين برقي تعليقاته و مداخلاته التي تعبر عن رقي مستواه الثقافي فحتى لو إختلف معك في طرحك يقوم بعرض طرحه مدعما بحجج ، أما في ما يخص متتبعي صفحات الفايسبوك فيكون ولوجهم عادة للصفحة للمرة الأولى صدفة ، أي نتيجة لإشهار ، أو إعجابه بإسم الصفحة أو لإعجابه بنشرية صادرة عن الصفحة ( كفيديو ، أو صورة أو مقال ) قام بنشرها صديق له ! و بالتالي إنضمامه للصفحة لم يكن بحض إرادة كاملة منه بل تأثرا برأي أو مضمون معين قد لا يكون ملتزما بالخط التحريري للصفحة !
و يكون عادة هذا النوع من المستخدمين سريع الملل باحثا عن المعلومة السريعة و بإقتضاب ، فنجده رافضا لأي تحليل أو طرح و بصفة عامة أي مضمون يختلف مع رأيه دون الإستشهاد بالحجج يكون عادة منعدم الإلمام بآداب الحوار و النقاش لأن الخط التحريري و مواضيع الصفحة التي إنضم إليها لا تدخل في محاور إهتمامه ! وهنا نجد أن التعليقات في صفحات الفايسبوك و النقاشات التي تدور فيها تكون عادة سطحية الطرح و عامة و شعبوية .
و هنا يكمن الإختلاف الجلي بين المدونة و الصفحة الفايسبوكية فجودة النشريات و و عمق الطرح و نوعية المتتبع تختلف بين الإثنين !
وإنطلاقا من هذا الطرح نجد أن المدونة هي بحق تمثل إعلاما موازيا أما صفحات الفايسبوك فهي مجرد وسائل دعاية ( بروباڨاندا )!

ثالثا : مالفرق بين الإعلام الإلكتروني الموازي ( ما يسمى بإعلام المواطن ) و الإعلام الرسمي الملتزم ؟

الفرق شاسع بين الإثنين !
فمن الناحية الإقتصادية : لا يسعى الأول للربح المادي من وراه نشاطه بل يسعى فقط لنشر مجموعة آراء تخص صاحبه أو تخص من يتفق مع صاحبه في الرأي بينما يسعى الثاني للربح المادي من وراء ما يسمى تجارة المعلومة و تجارة الآراء !
كما تقتصر التجهيزات و الأدواة المستعملة في الإعلام الموازي على تجيهزات غير باهضة : حاسوب ، ربط أنترنات و كامرا بي بعض الحالات و يعتمد في إستقاء المعلومة على شبكة من الأفراد متوزعين في كافة جهات القطر، و غير محترفين و لا يتقاضون أجرا على ما يقدمونه من خدمات في حين يكون الإعلام الموازي مجهزا بتجهيزات متطورة و باهضة الثمن و يكون مدعما بأسطول كامل من الصحفيين المحترفين المجندين فقط لنقل المعلومة .
و من الناحية المهنية : يكون عادة الإعلام الموازي غير مطلع على طريقة نقل المعلومة و قدسية الخبر ، أي نقله دون إبداء لرأي خاص ، فتنقل المعلومة التي تخدم آراء ناقلها و يتم تجاهل المعلومات الأخرى كما تنقل فقط المعلومة التي يراها ناقلها مهمة و يتم تجاهل ما لا يراه مهما و عادة ما يكون تقييمه لمدى أهمية المعلومة غير خاضع لمعايير علمية في حين يكون الإعلام الرسمي ( في صورته المثالية ) ناقلا لكل المعلومات مستقلا عنها أيما إستقلال كما يكون متأهبا لإكتشاف المعلومة بسرعة ( لا أتحدث عن نقلها فالإعلام الموازي يفوق الرسمي في هذه النقطة بأشواط ) .
و من هنا يمكننا أن ندرك أن المعلومة تساوي المال ، أي أنها مكلفة و هنا ندخل في مفهوم تجارة المعلومة أي أن المعلومة المقدمة لها تكلفة مادية معينة تسعى وسائل الإعلام الرسمية لبيعها و ذلك عبر تغطية كلفتها و ربح المال منها !
و إذا تحدثنا عن المال تحدثنا عن الفساد ، فهناك معلومة قد يسعى البعض لطمسها و ذلك عبر السيطرة على وسائل الإعلام الرسمية أو عبر رشوتها كي لا تفشيها ( الرشوة لا تكون فقط عبر المال ) و هذا ما يفسر تجاوز بعض القنواة الفضائية لبعض الأحداث حتى المهمة منها :
مثلا :
زيارة العاهل القطري لإسرائيل و عدم تترق الجزيرة لها
أحداث البحرين و تجاوز القنواة الخليجية لها
أحداث الثورة التونسية و تعتيم الإعلام الرسمي عليها

تكبيل الإعلام الرسمي و التحكم فيه من قبل جهات نافذة هو ما تسبب في نشأة الإعلام الموازي كمحاولة لنشر ما يتجاوزه و اعادة طرح ما يتتجاوزه الأول و أو يحرف حقيقته !

و بناء ا على هذا الطرح ، بقى الإعلام الموازي محاولة جريئة لخلق إعلام حر قد ينجح أحيانا و قد يفشل أحيانا و لكنه لا يرقى لطرحه كإعلام يعوض الإعلاما لرسمي ، بل هو فقط مجرد مراقب له و منبر لنشر الأفكار !

إذن لو تعمقنا في التحليل ، سنجد أن الإعلام الموازي ، أو إعلام المواطن كمصطلح أصح هو محاولة غير محترفة و غير ناضجة تمام النضج لخلق إعلام رسمي يمكننا إعتماده كمصدر صحيح للمعلومة أو للتحليل السياسي المنطقي الخاضع لمعايير علمية ، كما أنه غير قادر على إستقاء المعلومة و نقلها بشكل صحيح نظرا لعدم قدرته على منافسة الإعلام الرسمي المدجن بقدرات مادية ضخمة !
قد نلجأ إليه كمصدر غير رسمي لإستقاء المعلومة أو لتبادل الأفكار أو للدخول في صراع الفكري مع الآخر أو للتعبئة لقضية ما و لكن حتما لا يجب إعتباره مصدرا صحيحا !
قد تنجح بعض المدونات أو بعض الصفحات في تطوير مستواها و لكن تبقى نسبة الخطأ فيها واردة أكثر منه في الإعلام الرسمي و طبعا الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه ، كما تبقى هذه المدونات أو الصفحات منبرا لتمرير فكر معين ( فكر صاحب المدونة أو الصفحة ) و هذا سبب آخر يمنعنا من عتاب إنحراف الإعلام الموازي عن خطه فصاحب المدونة أو الصفحة لم ينشأ هذا المنبر إلا لتمرير فكر معين يؤمن به .
إبان الثورة توحدت الصفوف لأن العدو كان واحدا و لأن الجبهة كانت واحدة و لأن المسعى كان واحدا : إسقاط نظام نوفبر ، و بعد فرار بن علي إختلفت هذه الصفحات و المدونات ( أصحابها و مشرفوها ) حول مدى نجاح الثورة ، فمنها من إعتبر أن النظام لم يسقط و واصل نضاله و طرح رأيه و التعبئة له لإستكمال الإحتجاجات و ذلك إيمانا منه بأن المرحلة الحالية هي مرحلة تطهير و منهم من إعتبر النظام سقط بفرار بن علي و أن المرحلة هي مرحلة إصلاح هيكلة الدولة و إرساء ركائزها و منهم من إعتبر أن فترة التطهير و فترة الإصلاح قد تمت و آن أوان بناء الدولة الجديدة !
و طبعا كما إختلفت المدونات و الصفحات ( طبعا هي حاملة لتوجهات أصحابها ) إختلفت الأحزاب و إختلف أطروحاتها و بالتالي أصبح هناك تقارب في وجهات النظر بين المشرفين و بعض الأحزاب و هذا ما نتج عنه تحزب بعض الصفحات و المدونات ( بتحزب أصحابها ) أو تعاطفها مع بعض الأحزاب و التيارات السياسية ( بتعاطف أصحابها معها ) .
كما دخل المال السياسي في الإعلام الموازي أشتريت ذمة بعض المشرفين و أصبحت بوقا لهذه الأحزاب ( شأنها في ذلك شأن وسائل الإعلام الرسمي )
إذن فالسؤال الإستنكاري الذي قد نجيب به أنفسنا عن السؤال الدي إنطلقنا منه هو :
ماذا يمكننا أن ننتظر من الإعلام الموازي !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ