لماذا إنحدر مستوى الإعلام الموازي في الفترة الأخيرة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يعيب البعض على صفحات الفايسبوك الملتزمة و المدونات السياسية إنحدار مستواها و تحزبها و تغليبها لولائها الأيديولوجي المطلقعلى حساب مصلحة الوطن العليا ، هذه الصفحات و المدونات التي لطالما كانت شوكة في حلق النظام النوفمبري و التي لطالما جوبهت بالحجب و واجه أصحابها و مشرفوها كافة أنواع التنكيل الفكري و الجسدي ، هذه الصفحات و المدونات التي كانت الذراع الإعلامي للمناهضي ذاك النظام حتى قبل ثورة 17 ديسمبر .
لست بصدد تبرير هذا الإنحدار و لست في محاولة لخلق الأعذار له ، و لكني فقط سأحاول في ما يلي وضع النقاط على الحروف و تأطير الإشكال حتى لا نخطأ الحكم :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنقسم الصفحات الفايسبوكية الملتزمة و المدونات السياسية إلي نوعان حسب رأيي :
الأولى ناشطة قبل الثورة و الثانية بدأت نشاطها أو حولت خطها التحريري بعد الثورة !
لن أتناول بالذكر النوع الثاني ، لا تحقيرا لها بل في إنتظار إكتمال نضجها إلا من رحم ربي !
سأخص بالتحليل ، الصفحات و المدونات المتلزمة الناشطة قبل الثورة دون ذكر أسمائها !
لتناول الموضوع لا بد من توضيح عدة نقاط هامة ، حتى يسهل فهم موضوع هذا المقال :
أولا ماهو التدوين :
التدوين في السياسة و في معناه الأصلي : هو عبارة عن نشاط فكري حر لا يخضع لأي شكل من أشكال الرقابة حتى الرقابة الذاتية و هو عبارة عن تدوين للأحداث قصد توثيقها ، أو للأفكار الحينية قصد حفظها ، أو للتحليلات الخاصة قصد نشرها ، أو للتنظير لرأي ما عبر البحث و المجابهة بالحجة و البرهان ، و التدوين عادة لا يشابه العمل الصحفي لأن العمل الصحفي يكون مؤطرا بالخط التحريري للمؤسسة الناشرة ، أما التدوين فهو عمل فردي لا يخضع إلا للخط التحريري الذ يضبطه المدون و الذي ترجع له الحرية المطلقة في تجاوزه أو تغييره . كما أن الهدف من العمل الصحفي المحترف هو المال ، أي تجارة المعلومة أما التدوين فهو في مفهومه الأصلي نشاط فكري مجاني ، إذن فالتدوين هو بإختصار : ممارسة حرية فكر و تعبير مطلقتين في مجال إفتراضي دون أي شكل من أشكال الرقابة و دون أي سعي لربح مادي .
ثانيا ما الفرق بين المدونة و صفحة الفايسبوك :
يتفرع هذا السؤال إلى ثلاثة أسئلة :
ما الفرق بين المدون و الفايسبوكر ؟
ما الفرق بين التدوينة و المقال المنشور على الفايسبوك ؟
ما الفرق بين متتبعي المدونة و متتبعي صفحة الفايسبوك ؟
في ما يلي سأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاث مجتمعة :
الفرق بين المدون و الفايسبوكر آخذ في التلاشي لأن الصفحات الفايسبوكية بدأت منذ مدة في إرتداء عبائة المدونة ،
إذ حين كان الفايسبوك مجرد شبكة تواصل إجتماعي قل ما يعنى بالسياسة ، كانت الصفحات تنشأ كصفحات حينية ينشؤها عادة مستعمل عادي للفايسبوك كمواكبة منه لحدث ما ، حينها كانت جل أسماء الفايسبوك كالآتي :
كلنا مع فلان ضد فلان، ضد نزول الفريق الرياضي X إلى الدرجة الثانية، مساندوا .... ،الفاعلون لكذا ...، معا لـــعمل كذا ...
و الصفة التي تختص بها هذه الصفحات أن عدد متتبعيها يتضاعف بسرعة هائلة في دقائق لمدة معينة ثم يقل بل ينعدم عدد منخرطيها الجدد بعد أيام ، فيجد منشؤ تلك الصفحة نفسه مشرفا على صفحة تضم الآلاف فقط لأن عنوانها إستمالهم لا جودة و لا مضمون نشرياتها ! فيستغلها فيما بعد ، بعد أن تمر عاصفة ذاك الحدث ، في غير محلها ، فإما أنها تصبح منبرا للتشهير بفنان أو لدعم فريق رياضي أو صفحة للمرح و نشر النكت إلخ ... بذلك يصبح لدى الفايسبوكر متتبعون لنشرياته ، مهما كان مضمونها بالآلاف دون أن يكون له مستوى ثقافي يذكر . آما الآن فقط لبست الصفحات الفايسبوكية عبائة المدونات و أصبحت تنشؤ ذات صبغة دائمة فنجد أن أسمائها أصبحت من النوع التالي :
المنبر، إذاعة قرطاج، الحقائق الخفية، تونس، كشف المستور
أي أنها أصبحت بمثابة مجلة إلكترونية تنشر فيها تحقيقات شبه صحفية و تحليلات سياسية منقولة عن محللين مشهود لهم أو لأصحاب الصفحة و يبقى معيار إختيار المقالات المنقولة أو المحررة ( إن صح تسميتها مقالات ) حكرا على ما يستميل المشرف ، الذي يكون عادة مستواه الثقافي أرفع و لو بقليل من مستوى صاحب الصفحات الحينية ، و تبقى مسألة تزايد عدد أعضاء الصفحة مرتبطا بجودة نشرياتها
و هذه الجودة مرتبطة بكفية الطرح الذي يكون عادة جادا و ملتزما بالخط التحريري كما يكون جادا و متعمقا في البحث حيث أنه يكون عادة نتاجا لبحث معمق مدعم بدلائل ( تكون عادة في شكل روابط)
و هذا الأمر سيان بالنسبة للتدوينة .
أما أهم نقطة فهي الفرق بين متتبعي المدونة و صفحة الفايسبوك ، وهذا أمر نجيب عنه إذا طرحنا السؤال الأول : كيف أصبح العضو متابعا للمدونة أو الفايسبوك !
فبالنسبة للمدونة يكون عادة متتبعوها ما يسمى بـ" جماهير واب " و هم نوع من مستخدمي الأنترنات الذين لا يكونون سجيني موقع واحد و يبحثون عن المعلومة و يسعون إليها و بذلك فهؤلاء المستخدمين لا يلجون صدفة للمدونة بل بإرادتهم التامة و ذلك عبر إستخدام محركات البحث مثل " غوغل " أو عبر كتابة عنوان المدونة يدويا ! أي أن هذا المستخدم يكون عادة متتبعا وفيا لتلك المدونة دون سواها أو يكون ولوجه إليها باحثا عن معلومة معينة فيكون مستعدا لقراءة تدوينة طويلة أو مقال مفصل حول موضوع معين ، و يمتاز هذا النوع من المستخدمين برقي تعليقاته و مداخلاته التي تعبر عن رقي مستواه الثقافي فحتى لو إختلف معك في طرحك يقوم بعرض طرحه مدعما بحجج ، أما في ما يخص متتبعي صفحات الفايسبوك فيكون ولوجهم عادة للصفحة للمرة الأولى صدفة ، أي نتيجة لإشهار ، أو إعجابه بإسم الصفحة أو لإعجابه بنشرية صادرة عن الصفحة ( كفيديو ، أو صورة أو مقال ) قام بنشرها صديق له ! و بالتالي إنضمامه للصفحة لم يكن بحض إرادة كاملة منه بل تأثرا برأي أو مضمون معين قد لا يكون ملتزما بالخط التحريري للصفحة !
و يكون عادة هذا النوع من المستخدمين سريع الملل باحثا عن المعلومة السريعة و بإقتضاب ، فنجده رافضا لأي تحليل أو طرح و بصفة عامة أي مضمون يختلف مع رأيه دون الإستشهاد بالحجج يكون عادة منعدم الإلمام بآداب الحوار و النقاش لأن الخط التحريري و مواضيع الصفحة التي إنضم إليها لا تدخل في محاور إهتمامه ! وهنا نجد أن التعليقات في صفحات الفايسبوك و النقاشات التي تدور فيها تكون عادة سطحية الطرح و عامة و شعبوية .
و هنا يكمن الإختلاف الجلي بين المدونة و الصفحة الفايسبوكية فجودة النشريات و و عمق الطرح و نوعية المتتبع تختلف بين الإثنين !
وإنطلاقا من هذا الطرح نجد أن المدونة هي بحق تمثل إعلاما موازيا أما صفحات الفايسبوك فهي مجرد وسائل دعاية ( بروباڨاندا )!
ثالثا : مالفرق بين الإعلام الإلكتروني الموازي ( ما يسمى بإعلام المواطن ) و الإعلام الرسمي الملتزم ؟
الفرق شاسع بين الإثنين !
فمن الناحية الإقتصادية : لا يسعى الأول للربح المادي من وراه نشاطه بل يسعى فقط لنشر مجموعة آراء تخص صاحبه أو تخص من يتفق مع صاحبه في الرأي بينما يسعى الثاني للربح المادي من وراء ما يسمى تجارة المعلومة و تجارة الآراء !
كما تقتصر التجهيزات و الأدواة المستعملة في الإعلام الموازي على تجيهزات غير باهضة : حاسوب ، ربط أنترنات و كامرا بي بعض الحالات و يعتمد في إستقاء المعلومة على شبكة من الأفراد متوزعين في كافة جهات القطر، و غير محترفين و لا يتقاضون أجرا على ما يقدمونه من خدمات في حين يكون الإعلام الموازي مجهزا بتجهيزات متطورة و باهضة الثمن و يكون مدعما بأسطول كامل من الصحفيين المحترفين المجندين فقط لنقل المعلومة .
و من الناحية المهنية : يكون عادة الإعلام الموازي غير مطلع على طريقة نقل المعلومة و قدسية الخبر ، أي نقله دون إبداء لرأي خاص ، فتنقل المعلومة التي تخدم آراء ناقلها و يتم تجاهل المعلومات الأخرى كما تنقل فقط المعلومة التي يراها ناقلها مهمة و يتم تجاهل ما لا يراه مهما و عادة ما يكون تقييمه لمدى أهمية المعلومة غير خاضع لمعايير علمية في حين يكون الإعلام الرسمي ( في صورته المثالية ) ناقلا لكل المعلومات مستقلا عنها أيما إستقلال كما يكون متأهبا لإكتشاف المعلومة بسرعة ( لا أتحدث عن نقلها فالإعلام الموازي يفوق الرسمي في هذه النقطة بأشواط ) .
و من هنا يمكننا أن ندرك أن المعلومة تساوي المال ، أي أنها مكلفة و هنا ندخل في مفهوم تجارة المعلومة أي أن المعلومة المقدمة لها تكلفة مادية معينة تسعى وسائل الإعلام الرسمية لبيعها و ذلك عبر تغطية كلفتها و ربح المال منها !
و إذا تحدثنا عن المال تحدثنا عن الفساد ، فهناك معلومة قد يسعى البعض لطمسها و ذلك عبر السيطرة على وسائل الإعلام الرسمية أو عبر رشوتها كي لا تفشيها ( الرشوة لا تكون فقط عبر المال ) و هذا ما يفسر تجاوز بعض القنواة الفضائية لبعض الأحداث حتى المهمة منها :
مثلا :
زيارة العاهل القطري لإسرائيل و عدم تترق الجزيرة لها
أحداث البحرين و تجاوز القنواة الخليجية لها
أحداث الثورة التونسية و تعتيم الإعلام الرسمي عليها
تكبيل الإعلام الرسمي و التحكم فيه من قبل جهات نافذة هو ما تسبب في نشأة الإعلام الموازي كمحاولة لنشر ما يتجاوزه و اعادة طرح ما يتتجاوزه الأول و أو يحرف حقيقته !
و بناء ا على هذا الطرح ، بقى الإعلام الموازي محاولة جريئة لخلق إعلام حر قد ينجح أحيانا و قد يفشل أحيانا و لكنه لا يرقى لطرحه كإعلام يعوض الإعلاما لرسمي ، بل هو فقط مجرد مراقب له و منبر لنشر الأفكار !
إذن لو تعمقنا في التحليل ، سنجد أن الإعلام الموازي ، أو إعلام المواطن كمصطلح أصح هو محاولة غير محترفة و غير ناضجة تمام النضج لخلق إعلام رسمي يمكننا إعتماده كمصدر صحيح للمعلومة أو للتحليل السياسي المنطقي الخاضع لمعايير علمية ، كما أنه غير قادر على إستقاء المعلومة و نقلها بشكل صحيح نظرا لعدم قدرته على منافسة الإعلام الرسمي المدجن بقدرات مادية ضخمة !
قد نلجأ إليه كمصدر غير رسمي لإستقاء المعلومة أو لتبادل الأفكار أو للدخول في صراع الفكري مع الآخر أو للتعبئة لقضية ما و لكن حتما لا يجب إعتباره مصدرا صحيحا !
قد تنجح بعض المدونات أو بعض الصفحات في تطوير مستواها و لكن تبقى نسبة الخطأ فيها واردة أكثر منه في الإعلام الرسمي و طبعا الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه ، كما تبقى هذه المدونات أو الصفحات منبرا لتمرير فكر معين ( فكر صاحب المدونة أو الصفحة ) و هذا سبب آخر يمنعنا من عتاب إنحراف الإعلام الموازي عن خطه فصاحب المدونة أو الصفحة لم ينشأ هذا المنبر إلا لتمرير فكر معين يؤمن به .
إبان الثورة توحدت الصفوف لأن العدو كان واحدا و لأن الجبهة كانت واحدة و لأن المسعى كان واحدا : إسقاط نظام نوفبر ، و بعد فرار بن علي إختلفت هذه الصفحات و المدونات ( أصحابها و مشرفوها ) حول مدى نجاح الثورة ، فمنها من إعتبر أن النظام لم يسقط و واصل نضاله و طرح رأيه و التعبئة له لإستكمال الإحتجاجات و ذلك إيمانا منه بأن المرحلة الحالية هي مرحلة تطهير و منهم من إعتبر النظام سقط بفرار بن علي و أن المرحلة هي مرحلة إصلاح هيكلة الدولة و إرساء ركائزها و منهم من إعتبر أن فترة التطهير و فترة الإصلاح قد تمت و آن أوان بناء الدولة الجديدة !
و طبعا كما إختلفت المدونات و الصفحات ( طبعا هي حاملة لتوجهات أصحابها ) إختلفت الأحزاب و إختلف أطروحاتها و بالتالي أصبح هناك تقارب في وجهات النظر بين المشرفين و بعض الأحزاب و هذا ما نتج عنه تحزب بعض الصفحات و المدونات ( بتحزب أصحابها ) أو تعاطفها مع بعض الأحزاب و التيارات السياسية ( بتعاطف أصحابها معها ) .
كما دخل المال السياسي في الإعلام الموازي أشتريت ذمة بعض المشرفين و أصبحت بوقا لهذه الأحزاب ( شأنها في ذلك شأن وسائل الإعلام الرسمي )
إذن فالسؤال الإستنكاري الذي قد نجيب به أنفسنا عن السؤال الدي إنطلقنا منه هو :
ماذا يمكننا أن ننتظر من الإعلام الموازي !
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.