الأحد، 13 نوفمبر 2011

العلاقات التونسية الصهيونية ... إلى أين ؟



في غرة أكتوبر من سنة 1985 ، تعرضت مدينة حمام الشط لقصف جوي مباغت من الطيران الحربي الصهيوني في إطار ما بات يعرف بعد ذلك بعملية الساق الخشبية ، سقط على إثر هذا العدوان 68 شهيدا فلسطينيا و تونسيا ، العملية جائت مباغتة أو هكذا قيل ، لأن بعض المعلومات التي صدرت بعد ذلك أدانت مسؤولين تونسيين و على رأسهم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان يشغل حينها منصب وزير الداخلية لعلمهم السابق بالعملية و تواطئهم فيها و لكن لم تؤكد هذه المعلومات إلى اليوم ، إستهدفت هذه العملية قادة منظمة التحرير الفلسطينية "فتح" الذين رُحّلوا من لبنان إثر إجتياح القوات الصهيونية لبيروت و ترحيل قوات الحركة منها إلىتونس التي إستقبلتهم بمدينة حمام الشط سنة 1982 .










في هذه الملحمة ، إختلطت دماء الفلسطينين بالتونسيين و أصبحت بذلك تونس إحدى دول المواجهة و إن لم تقم بالرد العسكري حينها و أكتفت بتحرك ديبلوماسي أفضى إلى إستصدار  قرار مجلس الأمن الدولي رقم 573 الذي "أدان فيه العدوان الإسرائيلي على تونس" و "حث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على أن تتخذ تدابير لثني إسرائيل عن أعمال عدوانية مماثلة" كما طالب الكيان الصهيوني بدفع تعويضات للضحايا التونسيين دون الإشارة إلى الضحايا الفلسطينيين و لو حتى رمزيا .


يومها ، دخلت تونس مجبرة لا باغية صف دول المواجهة مع الكيان الصهيوني ، دخلت صف هذه الدول نظريا و في قرارات الجامعة العربية و لكن الواقع كان يقول غير ذلك ، بعد الإنقلاب الأبيض الذي قاده سنة 1987 الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي على الرئيس الراحل الحبيب بورڨيبة و الذي تولى على إثره رئاسة البلاد ، بادرت تونس لاهثة وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني سرا ، فتكثفت المبادلات التجارية و الثقافية و الأمنية والسياحية بينهما ، أو بالأحرى تكثفت في اتجاه واحد كانت تونس هي القبلة فيها ، ففتحت الأسواق أمام المنتجات الصهيونية وأستقبلت الوفود الشبابية و الثقافية الإسرائيلية ( الكشافة و الفنانين ) و طورت العلاقات الأمنية و الإستخباراتية بينهما ــ كان الهدف الرئيسي منه إجتثاث المد الإسلامي و رموز المقاومة الفلسطينية المقيمين بتونس ـــ و الذي أثمر تسهيل تونس عملية إغتيال القيادي البارز في حركة فتح خليل إبراهيم محمود الوزير ، المشهور بـ"أبو جهاد" الذي كان يقيم في تونس آن ذاك في عملية لا تقل أهمية على عملية الساق الخشبية شارك فيها 20 عنصراً مدرباً من الموساد من أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة على شاطئ الرواد و أصبحت هذه العلاقات تسير للعلن حتى توجت سنة 1995 بفتح مكاتب تبادل تجاري بينهما بشكل علني .


وأصبحت هذه العلاقات تشهد تطورا سريعا و أصبحت تشهد أوجها في شهر ماي من كل سنة بزيارة آلاف اليهود الحاملين لجوازات سفر إسرائيلية لكنيس الغريبة بجربة و أصبح المراقب للأحداث حينها يعتبر العلاقات الصهيونية التونسية في مستوى العلاقات الأمريكية الصهيونية و رغم أن هذه العلاقات شهدت جزرا في بعض الأحيان ، كغلق المكاتب التجارية بينهما سنة 2000 إثر إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية و تراجع الإقبال على "كنيس الغريبة" إثر التفجير الذي تعرض له سنة 2003 إلا أنها كانت تسير بخطى ثابتة نحو التطبيع المعلن بين البلدين و قد لعب " اللوبي التونسي " القوي نسبيا بوزارة الخارجية الصهيونية ممثلا بـوزير الخارجية الصهيوني السابق سفيان شالوم المولود بمدينة ڨابس و وسفير الكيان الصهيوني بالقاهرة  شالوم كوهين المولود بمدينة نابل و نظيره بباريس نسيم الزفيلي أصيل مدينة حلق الواد ــ لعب ــ دورا كبيرا في دعم تلك المساعي .


في سنة 2005 أختيرت تونس للإستقبال القمة العالمية حول و مجتمع المعلومات ، و كما فاجئ هذا الإختيار العالم لأن تونس تعتبر من أسوأ الدول في مجال حرية المعلومة ، فقد فاجئ بن علي حينها العالم بتوجيهه دعوة رسمية لرئيس الوزراء الصهيوني حينها "أرئييل شارون" الذي لم يلبي الدعوة و أكتفى بإرسال وفد ديبلوماسي ثقيل نسبيا يرأسه وزير خارجيته ذو الأصل التونسي حينها "سلفيان شالوم" و تمت الزيارة وسط معارضة شعبية واسعة أدت إلى تفادي إستقبال الوفد إسقبالا رسميا و إقتصر الإستقبال على إرسال رئيس الجالية اليهودية في تونس و عضو مجلس المستشارين رجل الأعمال "روجي بيسموث" .


تواصلت المساعي نحو التطبيع العلني بين تونس و الكيان الصهيوني إثر تلك الزيارة التي أعادت و لو نسبيا المياه إلى مجاريها بين البلدين أكسبت مشروع التطبيع أشواطا كبيرة و أصبحت مدعومة بأصوات كبيرة في الداخل التونسي و في خارجه ، وأصبح الملاحظ يرى أن وسائل الإعلام التونسية المكتوبة و التي كانت خاضعة للنظام باتت تهيئ و تبارك مشروع التطبيع و بدأت موجة كبيرة من المطالبة بالتطبيع كان جل من سايروها من الجالية اليهودية بتونس و بعض رجال الأعمال و أبواق النظام أُرِيدَ منها تهيئة الرأي العام لإعلان رسمي عن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني .


في 17 ديسمبر 2010 ، إندلعت بتونس ثورة شاملة أطاحت بالنظام في 14 جانفي 2011 ، إستغل حينها الكيان الصهيونية قضية الجالية اليهودية بتونس للدفع الرأي العام للتدخل و حماية مصالحه بتونس و أعلن أن الجالية اليهودية تتعرض لمضايقات و تهديدات أمنية سرعان ما ردت عليه الجالية بالرفض و الإنكار.


إثر الثورة و بداية الحراك السياسي في تونس و ظهور تعددية حزبية بدأت بعض الأصوات تتعالى و تطالب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. هذه الأصوات ممثلة في أحزاب و جمعيات و منظمات و شخصيات مستقلة لوحظ أنها تحصلت على تمويلات صخمة من أطراف أجنبية و داخلية مشبوهة و تحت مسميات مختلفة ــ منها محاربة المد الإسلامي و مقاومة الرجعية و التطرف و الإرهاب ـــ


نعود لمنطلق المقال ، تونس تعرضت لتعد صارخ على حرمة أرضها و سيادتها ، سقط على إثره ضحايا ، بالتالي فهي معنية بالمواجهة و الممانعة ، ليس فقط نصرة للقضية الفلسطينية بل لأنها إثر ذاك العدوان أصبحت معنية بالصراع ، لم يتم لحين اللحظة تطبيق قرار مجلس الأمن بخصوص التعويضات ، نظام بن علي سعى إلى تطبيع العلاقات مع الكيان على مدة 23 سنة من حكمه و سعى من قبلة الرئيس الحبيب بورڨيبة حسب وثيقة سربت مؤخرا و لم ينجحوا في إقامة علاقات ديبلوماسية معلنة معه خشية ردة فعل الرأي العام الرافض لهذه الفكرة قطعا !
فهل يقبل شعب تونس ما بعد الثورة بالتطبيع ؟ هل سينسى دماء شهدائه ؟ هل سيخون وفائه التاريخي للقضية الفلسطينية ؟ هل سيتصدى للقوى الداعمة لفكرة التطبيع ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.